الخميس، 27 سبتمبر 2012

نظرة على باب الأجهزة الرقابية والمستقلة بمشروع الدستور الجديد


     جاء هذا الباب في ست عشر مادة بالإضافة إلى مادتين إنتقاليتين .. وقد أوردت النصوص عدد من الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة وحددت لكل منها إختصاصاته ما بين رقابية فقط أو فنية فقط أو إختصاصات مزدوجة رقابية وفنية في ذات الوقت ، وذلك على النحو التالي :-

أولاً : أجهزة ذات إختصاص رقابي فقط ، وتنحصر في الجهاز المركزي للمحاسبات ، وهو جهاز موجود بالفعل منذ سنة 1942 ولم تضيف النصوص المقترحة أي إضافة خلاف المعمول به حالياً.

ثانياً : أجهزة ذات إختصاص فني فقط ، وهي أربع أجهزة:
1- المجلس الإقتصادي والإجتماعي.
2- المفوضية الوطنية للإنتخابات.
3- الهيئة العليا لحفظ التراث.
4- الهيئة القومية للصحافة والإعلام.

ثالثاً : أجهزة ذات إختصاص مزدوج رقابي وفني ، وهي خمس أجهزة :
1- البنك المركزي.
2- المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
3- المجلس الوطني للإعلام المسموع والمرئي.
4- المجلس الوطني للصحافة.
5- الهيئة العليا لشئون الوقف.

وأعتقد أن هناك العديد من الملاحظات يمكن أن نذكرها عن هذا الباب من مشروع الدستور الجديد ، منها:
1-      أجاز المشروع في المادة (1) إنشاء أجهزة رقابية وهيئات مستقلة أخرى غير المنصوص عليها بالدستور وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إزدواج المعايير بين أجهزة رقابية تم النص عليها بالدستور ومن ثم لا يجوز إلغاءها إلا بتعديل الدستور ذاته وفقاً للإجراءات المعقدة التي تتم في هذا الخصوص ، وبين أجهزة رقابية أنشأت بموجب قانون ويجوز إلغاءها بموجب قانون أيضاً.
     فضلاً عن أنه .. لا يخفى على أحد أن الأجهزة الرقابية يمكن أن يكون لها دور في تقييد الممارسة في المجال الذي تنشأ من أجله ، وهذا الدور على درجة عاليه من الخطورة ، وبالتالي لا يجوز السماح بإنشاء أجهزة رقابية بموجب القانون حتى لا يتم إساءة إستخدام ذلك الحق من قبل الأحزاب التى تكون لها الأغلبية البرلمانية لتحقيق مصالح حزبية أو فئوية بعيدة عن المصلحة الوطنية.

2-      جعل المشروع في المادة (3) تعيين رؤساء الأجهزة والهيئات بموجب قرار من رئيس الجمهورية بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ (الشورى) ، وهي قاعدة غير صحيحة حيث تكرس الهيمنة والسيطرة على تعيين رؤساء تلك الأجهزة ولابد أن توسيع دائرة الترشيح والأختيار وتعددها لكي تشمل على الأقل المؤسسات المعنية.
3-      أخذ المشروع بفكرة (عدم القابلية للعزل) فيما يخص رؤساء الأجهزة والهيئات ، وهذه الفكرة قد ثبت عدم صحتها وقد عانينا منها بعد الثورة مع بعض المناصب التي كان أداؤها ليس على المستوى المطلوب دون إمكانية التعامل مع القائمين عليها بسبب عدم قابليتهم للعزل ، لذلك فإن إستمرار العمل بتلك القاعدة يعد أمراً مرفوضاً ، ولابد أن تحل محلها قاعدة (من يملك التعيين يملك العزل) مع وضع ضوابط محددة للعزل حتى لا يتم إساءة إستخدامه.

4-      أنشأ المشروع المفوضية الوطنية للإنتخابات لتحل محل اللجنة العليا للإنتخابات المنصوص عليها بقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 وتعديلاته وكذا لجنة الإنتخابات الرئاسية المنصوص عليها بالقانونه رقم 174 لسنة 2005 وتعديلاته والمادة 28 من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011.
     وتعد المفوضية التي إقترحها المشروع فكرة مستحدثة لم يسبق العمل بها من قبل ، ولذلك كان لابد – مع أهميتها القصوى – من أن يضع المشروع كافة الضوابط الخاصة بعمل تلك المفوضية وإن إضطر إلى أن يفرد لها فصلاً خاصاً بها .. حتى يسن القانون المنظم لعملها وفقاً لتلك الضوابط ، غير أن المشروع جاء على خلاف ذلك بما يعطي الفرصة للمشرع من وضع القواعد القانونية الخاصة بتنظيم عمل المفوضية دون ضوابط محددة وبمعزل عن الهدف منها والغاية من إنشاءها.
     وقد أقتصر المشروع على بيان أعضاء مجلس إدارة المفوضية الذي شكله من تسعة أعضاء كلهم من القضاة عن طريق الندب أي التفرغ التام ، وجميعهم من غير أعضاء مجالس الهيئات القضائية التي ذكرها المشروع وهي محكمة النقض ، ومحاكم الإستئناف ، ومجلس الدولة ، ويلاحظ أن المشروع إستبعد تماماً المحكمة الدستورية من تشكيل مجلس إدارة المفوضية ، ويلاحظ كذلك أن المفوضية لن تضم عناصر قضائية سوى مجلس إدارتها فقط ، وحدد المشروع مدة إنتقالية قدرها عشر سنوات لذلك.

5-      أنشأ المشروع الهيئة العليا لشئون الوقف للقيام بتنظيم المؤسسات الوقفية العامة والخاصة ، وذلك .. على الرغم من أنه تم إلغاء الأوقاف الخاصة منذ أكثر من نصف قرن بسبب المشاكل التي كانت تثيرها ، فضلاً عن أن النص لم يوضح العلاقة بين تلك الهيئة وبين وزارة الأوقاف التي تتماس معها في ذات الإختصاصات.

السبت، 17 سبتمبر 2011

شيزوفرينيا المجلس العسكري


موقف المجلس العسكري محير فعلاً .. فهو يبدو أحياناً مؤيداً للثورة ، ولعل التحية العسكرية التي أداها أحد أعضاءه للشهداء وهو يلقي بيان العسكر في ذات يوم تخلي الرئيس السابق عن الحكم كان لها وقع شديد الإيجابية في نفوس كل المصريين ودللت على أن العسكر يؤيدون الثورة خاصة وأنه أُعلن في ذات البيان بشكل صريح لا لبس فيه أن العسكر لن يكونوا بديلاً عن الشرعية التي يختارها الشعب ، بعدها بدت تصرفات العسكر على أنها في سبيل إصلاح الأوضاع في البلاد ، فعلى سبيل المثال .. المجلس العسكري هو الذي قام بحل مجلسي الشعب والشورى وعطل الدستور ، وهو الذي شكل لجنة محايدة تماماً فور تنحي مبارك أجرت تعديلات دستورية لا يختلف أحد على أنها تعد تغيير حقيقي في القواعد التي تناولها التعديل لم يبلغ سقف أماني أكثر المتفائلين بمصر قبل الثورة بشهور قليلة سوى نصفها ، وهو الذي استجاب خلال أسبوع واحد فقط لمطلب الثوار فقام بتغيير الفريق شفيق وأعطى رئاسة الحكومة لأحد الأسماء التي رشحها الثوار ، وهو الذي عدل قانون الأحزاب وسمح بتأسيسها بالإخطار ، وهو الذي دعم الداخلية بخمسين ألف من جنوده حتى يتم إستعادة قوة الشرطة مرة أخرى ، وهو الذي رفض الإقتراض من البنك الدولى وصندوق النقد حتى لا يتأثر قرار مصر في الفترة القادمة بسبب التبعية الإقتصادية لتلك الجهات التي تتحكم فيها الولايات المتحدة والغرب وحتى لا تتحمل الأجيال القادمة مسئولية سداد عبء حل مشاكلنا الحالية ، وهو الذي لم يعترض على القبض على كامل أعضاء الصف الأول للنظام السابق بما فيهم مبارك الذي قيل كثيراً أن الجيش لن يسمح أبداً بمحاكمته لأنه كان واحداً من رجاله .. بل قام بتولى حراسة سجن مزرعة طره الذي أودعوا فيه.
ولكن في نفس الوقت فإن المجلس العسكري يبدو أحياناً رافضاً للثورة ، فعلى سبيل المثال .. هو الذي يصدر القانون تلو الآخر دون أي تشاور مع القوى الوطنية والسياسية بل وأحياناً ضد ما تجمع عليه ، وهو الذي قام بمهاجمة حركات ثورية كحركة 6 إبريل بدلاً من أن يحتويها إن كان يراها قد أخطأت ، وهو الذي يترك بلطجية الحزب المنحل يعتدون على أسر الشهداء تارة وعلى الثوار تارة أخرى دون أن يحرك ساكناً ، وهو الذي يرى تطهيراً سطحياً تجريه الداخلية فلا يعترض عليه ، وهو الذي يلقي القبض على بعض من يطلق عليهم الناشطين السياسيين وكان أمامه عدة خيارات للتعامل معهم أي واحداً منها أفضل من القبض عليهم ، وهو الذي يرفض إعطاء صلاحيات حقيقية للحكومة ، وهو الآن الذي يقوم بالإعلان عن تفعيل قانون الطوارئ.
العسكر بتصرفاتهم المتناقضة يجعلونا نضرب أخماساً في أسداس .. في أي جانب يقفون؟ هل هم شريكاً في هذه الثورة كما قالوا؟ .. وهناك الكثير من الأعمال التي تدعم تلك المقولة ، أم أنهم يعملون على القضاء على الثورة كما يعتقد البعض؟ .. وهناك الكثير من الأعمال التي تدعم ذلك الإعتقاد أيضاً ، أم أن هناك إنقسام بينهم فمنهم مع الثورة ومنهم ضدها؟ أم إنهم مستر جيكل ومستر هايد؟ أم إنهم مصابون بشيزوفرينيا حادة؟.
وقد تصدى الكثيرون لتفسير تصرفات العسكر غير أنه مع الأسف كانوا يتناولون السلبي منها فقط .. كانت كل التفسيرات تنطلق دائماً من خلال نظرية المؤامرة ، ولذلك كانت تنتهي إلى أن العسكر .. إما يعملون لحساب طرف خارجي .. أو لحساب طرف داخلي .. أو لحساب المجلس نفسه لنفسه ، وما كان ذلك التباين الشديد في التفسيرات إلا للتناقض الواضح في تصرفات المجلس العسكري.
ولأنني لا أميل لنظرية المؤامرة – رغم صوابها أحياناً – فقد حاولت تفسير تناقض العسكر في تصرفاتهم بعيداً عن تلك النظرية ، فلم أجد تفسيراً سوى القلق ، إن العسكر يعانون من حالة قلق شديد ، ليس ذلك القلق العام على مصير البلاد في المستقبل القريب لأننا جميعاً نتشارك فيه ، ولكنه قلق خاص على مصير قادة الجيش في المرحلة المقبلة ، قلق يحمل عبءه في الأساس أعضاء المجلس العسكري .. غير أن كل قواد الجيش من الصف الثاني والثالث يعانون منه أيضاً .. وهو ذات القلق الذي جعلهم يرفضون توريث الحكم لجمال مبارك كما ذكر أحد أعضاء المجلس العسكري في حديثه بأحد البرامج الحوارية عقب تنحي مبارك وأكده كل العالمين ببواطن الأمور ، ولهم كل الحق في رفض جمال مبارك رئيساً للبلاد هل يمكن أن يتحمل قادة الجيش أن يكون قائدهم الأعلى رجل مدني ؟ وإن تحملوا فهل يمكن أن يكون ذلك الفتى المغرور؟ هل يمكن أن يتصورا أنهم سوف يتلقون أوامرهم منه؟ لا وألف لا .. ولكن ما العمل؟ العمل من عند الله.
وها قد جاء العمل من عند الله .. لقد ثار الشعب وأسقط النظام ، وذهب الرئيس وإبنه إلى غير رجعه ، فبارك العسكر ثورة الشعب ، ولما لا .. وقد خلصتهم تلك الثورة من قلقهم .. فالشكر كل الشكر لثورة يناير ، وبدأ العسكر يقومون بما يجب أن يقوموا به فقاموا بحل مجلسي الشعب والشورى وتعطيل الدستور وتعيين لجنة لتعديل بعض مواد الدستور ودعوة الشعب للإستفتاء عليها ، وعندما إعترض الثوار على الفريق شفيق تم تغييره فوراً.
ولكن الممارسة التي تمت قبل الإستفتاء وبعده أظهرت القوى الدينية الأصولية على غيرها .. الإخوان المسلمون .. التيار السلفي .. الجماعة الإسلامية ، وبدأت دعايتهم تؤثر في الجميع بأنهم الأقوى والأكثر عدداً وتنظيماً وتمويلا ، وهنا بدأ العسكر يسألون أنفسهم هل من المعقول تصور أن هؤلاء سوف تؤول إليهم مقاليد الحكم فيسيطرون على مجلس الشعب ويصبح أحدهم رئيساً للجمهورية أي الرئيس الأعلى لهم؟ هل ذهب الفتى المغرور ليأتي بدلاً منه فضيلة المرشد؟ وهنا بدأ القلق الذي ذهب مع ذهاب جمال مبارك يعود من جديد مع عودة مرشد الإخوان.
وبعد ظهور نتيجة الإستفتاء وما فسره البعض من أنها تدلل على سيطرة التيار الديني الأصولي على الواقع الحالي ، إزداد قلق العسكر .. ولم يكن أمامهم سوى الثوار لضبط المعادلة ، فإذا بالثوار ينقلبون عليهم بعد إثني عشر يوماً من ظهور نتيجة الاستفتاء فخرجوا في الأول من إبريل يعلنون رفضهم حكم العسكر ، والعسكر لا يريدون حكماً ولكنهم لم يتعاملوا قط مع رئيس مدني ولا يتصورون أن مدنياً يمكن أن يصبح قائدهم الأعلى ، هم يرفضون ذلك يريدون من يطمئنهم على موقعهم في منظومة التغيير التي تنتظر البلاد ، وفي الأسبوع التالي بدأ الثوار يعملون على إحداث إنقلاب في الجيش ضد قادته .. ضد أعضاء المجلس العسكري ، ولأنهم بالقطع لن يجدوا ضابط عامل يسايرهم في ذلك قاموا بإحضار مجموعة من الضباط المفصولين للقيام بالمهمة ، فتم القبض عليهم .. وإزداد قلق العسكر أكثر وأكثر.
ترك العسكر الأمور تتفاعل لعل تفاعلها يظهر من بين القوى السياسية من يثقون في قدرته على ترتيب وضع المؤسسة العسكرية في النظام الجديد ، فلم يُخرج التفاعل سوى أنصاف لا يصلح أياً منهم لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية يعلو أولئك القادة ويآتمرون بأمره .. فكلهم لا هم لهم إلا تأييد الثوار في مهاجمتهم للعسكر ، ومن كان يجرأ أن يأيد العسكر والغموض يكتنف محاكمة مبارك ، فإزداد قلقهم وتنامى.
ولعل مبارك شعر بذلك القلق ، فأراد أن يستغله لعل قلق قادة الجيش من كافة القوى المهيمنة على الشارع سواء التيار الأصولي أو الثوار أو التيارات السياسية يكون قد وصل بهم لحالة اليأس من الثورة فيقفون معه وتذهب الثورة إلى حيث أتت ، فخرج مبارك محدثاً الشعب .. ولكن العسكر لم يكونوا قد وصلوا لليأس بعد وعلى الفور سمحوا ببدء إجراءات محاكمته بعد أن بدأ مبارك يفسد لهم الأمور ويعقدها ، ولكن لا فائدة فقد استمر الهجوم على العسكر يتزايد ، وإستمر قلق العسكر أيضاً يتزايد.
وفي محاولة من العسكر لحل المشكلة .. شجعوا شخصيتين عسكريتين لدخول سباق الرئاسة لعل أحدهما ينال ثقة الشعب وتأييده .. الأول كان الفريق مجدي حتاته رئيس الأركان الأسبق ، والثاني كان الفريق محمد على بلال قائد قوات الدفاع الجوي الأسبق ، فأي رجل منهما يمكن أن يكون مقبولاً كقائد أعلى للقوات المسلحة ، وعلى الفور قام العسكر بطرح استطلاع رأي لمعرفة مدى حظوظهما ، فإذا بهما يتذيلا القائمة كما أن أداء الرجلين كان محبطاً للعسكر تماماً ، فإستمر القلق وتزايد وإزادت تصرقات العسكر تناقضاً.
وأعتقد أنه لم يدرك قلق العسكر سوى أربعة أشخاص فقط ، الأول لا يعول عليه .. فقد خرج الأستاذ طلعت السادات ليعلن أن الظروف الراهنة تحتاج لرجل عسكري يدير البلاد ، ولكن ذلك لم يكن الحل الذي يريده العسكر كما إنه غير قابل للتحقيق فلا توجد شخصية عسكرية حالية أو سابقة يمكن أن تنال ثقة الشعب أو أن تقنعه بقدراتها السياسية وقد أبعدهم المخلوع عن الساحة السياسية تماماً حتى يتيح المجال لإبنه.
أما الثاني فقد كان الدكتور صفوت حجازي ولكنه فسر قلق العسكر تفسيراً خاطئاً فقد أعتبره قلق منهم على مصيرهم من المحاسبة عن وقائع فساد ربما تكون قد حدثت من بعضهم أيام النظام السابق ، فتكلم الرجل عن صفقة بين الثورة وبين العسكر يتم فيها التغاضي تماماً عن كل ما فات ، فهوجم الرجل بشراسة ووجد أصحاب تفسير تآمر العسكر مع الأصوليين في حديث حجازي دليلاً على صحة تفسيرهم فسكت الرجل ، وكان رد فعل العسكر أن أصدروا قانوناً يقضي بأن تكون محاسبة العسكريين بما فيهم المحالين إلى المعاش عن أي وقائع فساد تنسب إلي أي واحد منهم أمام القضاء العسكري .. حتى يذكروا حجازي ومن معه بأنهم ليسوا في حاجة لصفقته ، كما صرح رئيس الأركان بنفسه أن مدنية الدولة مسألة أمن قومي لمصر .. حتى يعلم الجميع أن العسكر لا يريدون حكماً وأنهم أيضاً لا يثقون في أصحاب اللحى ويريدون حلاً من غيرهم.
وعلى الفور ألتقط المستشار هشام البسطويسي المرشح المحتمل للرئاسة رسالة رئيس الأركان وأدرك مدى القلق الذي يعاني منه العسكر فطرح الرجل فكره أن يتولى الجيش حماية مدنية الدولة على النموذج الأتاتوركي ، ولكنه هوجم كذلك وبعنف .. فتراجع عن ذلك الطرح بعد أن استشعر أنه سوف يخرجه من سباق الرئاسة مبكراً جداً ، واستمر قلق العسكر كما هو وأصبح ينعكس على كافة تصرفاتهم.
أما الرابع الذي أدرك قلق العسكر كان الدكتور عمرو حمزاوي .. فقد حاول أن يعيد طرح فكرة البسطاويسي مع تعديلها بأن يكون الجيش ضامناً لمدنية الدولة وليس حامياً لها ، فهوجم أيضاً فسكت ولم يعيد الحديث .. خاصة وأنه كان مقبل على تأسيس حزب سياسي يحقق من خلاله طموحه السياسي المشروع الذي لم يخفيه ، وهو بالتأكيد لا يريد أن يدمر إستمرار الهجوم عليه كل ذلك.
وبذلك إستمرت المشكلة بلا حل ، قلق العسكر على مستقبلهم يتزايد مع خلو الساحة من ثمة من يمكن أن يثقوا فيه ويقتنعوا به لكي يصبح قائدهم الأعلى وأيضاً مع إقتراب موعد الإنتخابات ، وبالتالي أصبحت تصرفاتهم أكثر تضارباً وتناقضاً ويزداد الهجوم عليهم من الثوار وتتعدد التفسيرات التآمرية.
إذا أردنا مخرجاً من الأزمة التي تعيشها مصر الآن قبل أن ييأس العسكر من الثورة .. علينا أن نناقش مستقبل المؤسسة العسكرية بكل وضوح وشجاعة بما يحقق صالح البلاد أولاً وصالح العسكر ثانياً ، ولابد أيضاً أن نشارك العسكر في قلقهم لأن إحتمال سيطرة التيار الأصولى على الفترة القريبة القادمة هو إحتمال قائم بكل تأكيد ، وكما يستغل قادة الأصوليين المواطنين البسطاء للوصول إلى أهدافهم سوف يستخدمون الجيش فيما بعد لإستكمالها ، فهل نحن مستعدون لذلك؟ نحن مستعدون لأن يصبح الشيخ صلاح أبو إسماعيل أو الدكتور سليم العوا مثلاً رئيساً لمصر للسنوات الأربع القادمة .. ولكن هل نحن مستعدون لأن يصبح أياً منهما القائد الأعلى للقوات المسلحة؟
إذا كان الإجابة لا .. فإن علينا الآن أن نطرح حلولاً تفصل بين مؤسسة الرئاسة وبين المؤسسة العسكرية حتى لا يكون أي خلل بالأولى يمكن إصلاحه بعد أربع سنوات .. يطال الثانية وقد لا يمكن إصلاحه أبداً ، وحتى نأمن بذلك الفصل أيضاً عدم تخطي العسكر للحاجز بين المؤسستين فيتولى واحد منهم رئاستهما معاً.
إن فصل مؤسسة الرئاسة عن المؤسسة العسكرية يحقق صالح البلاد أولاً ، وثانياً يزيل قلق العسكر من أن يصبح مدنياً قائدهم الأعلى ولم يسبق لهم ذلك أبداً ، وبذلك نعطي الفرصة للثورة للإنطلاق إلى آفاق تحقق كل أهدافها.
وأعتقد أن الفصل بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية يمكن أن يتحقق بأحد شكلين : الشكل الأول ألا يصبح الرئيس قائداً أعلى للقوات المسلحة وتقتصر عضوية المجلس على العسكريين فقط برئاسة القائد العام الذي لا يصبح وزيراً للدفاع كما هو الآن ، حيث يقوم الرئيس بتعيين وزيراً مدنياً للدفاع يكون همزة الوصل بين المؤسستين دون أي سلطات فعلية لذلك الوزير على الجيش الذي يتولى كافة صلاحياته المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام ورئيس الأركان.
أما الشكل الثاني فهو التخلى عن تقسيم منتسكيو الذي نأخذ به ودول عديده معنا ، وهو التقسيم الذي يقسم سلطات الدولة إلى تنفيذية وتشريعية وقضائية ويعتمد مبدأ الفصل بين تلك السلطات ، بأن نضيف سلطة رابعة هي السلطة العسكرية ممثلة في القوات المسلحة ، وتصبح السلطة العسكرية سلطة مستقلة مثلها في ذلك مثل السلطتين التتشريعية والقضائية.
ويشكل في الحالتين مجلساً للأمن القومي يضم كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية ، ورئيس مجلس الشعب ونائبه ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس ونائبة ، والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان وقائدي الجيشين الميدانيين الرئيسيين وهما الجيس الثاني والجيش الثالث ، ويكون قرار الحرب من إختصاص مجلس الأمن القومي بالأغلبية وليس من إختصاص الرئيس فقط.
وبذلك نزيل قلق العسكر فتزول حالة الشيزوفرينا التي أصابتهم ويعودوا شريكاً حقيقياً للثورة ، هل لدينا من يمتلك الشجاعة لطرح تلك الإقتراحات التي سوف تفتح الباب للعسكر أنفسهم ليدلوا بدلوهم فيما يرونه وبالتالي يحدث الإلتحام بينهم وبين التغيير الذي ننشده بصفة عامة ، هل لدينا من لا يخشى على إنتخابات رئاسية أو برلمانية ولا يخشى إلا على مستقبل مصر. 

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

إعادة إنتاج مجلس أمناء الثورة


بعد التداعيات الجسمية لما حدث بجمعة تصحيح المسار يوم 9 سبتمبر .. إنطلقت دعوات مخلصة لضرورة إعادة تقييم جدوى الخروج إلى الشارع بحثاً عن وسائل أخرى لا لتحل محله وإنما لإعطاء خيارات لدى القوى السياسية والثورية في توصيل مطالبهم.
وتجاوباً مع تلك الدعوة أخذت أفكر في الوسائل التي يمكن أن تسبق أولية الخروج إلى الشارع بحيث يكون ذلك الخروج حلاً أخيراً بعد فشل كافة الوسائل الأخرى ومن ثم نحتفظ لذلك الخروج بهيبته لدى القائمين على إدارة الفترة الإنتقالية أو حتى بعدها .. بعد أن أصبحت المليونيات لكثرتها وعدم تحديد طلباتها أوكثرة طلباتها فاقدة التأثير ولا يهتم بها إلا بائعي المشروبات والمأكولات الذين يدعون الله بأن يرزقهم في كل جمعة مليونية ، ولكن الخطير أن تلك المليونيات أصبحت الآن كذلك ملهمة لأطراف عديدة للإستغلال أو لتدبير المؤمرات وتحقيق أهداف خاصة أو أهداف أخرى لا تبعد بالثورة عن أهدافها وحسب بل تدمر تلك الأهداف تماماً.
في خضم تفكيري تذكرت فجأة ما يسمي (مجلس أمناء الثورة) ذلك المجلس الذي أعلن عن تشكله يوم 16 فبراير عقب أيام معدودة من تنحي الرئيس المخلوع ، وسارعت بالبحث عن ذلك المجلس فوجدته مازال قائماً - فقط - من خلال موقع على فيسبوك يشير إلى أن أمانة المجلس مشكلة من السادة الأفاضل:
1-           د/عبدالله الأشعل - أستاذ جامعي
2-           المستشار / زكريا عبدالعزيز - مستشار بالنقض
3-           د/محمد البلتاجي - استاذ جامعي وبرلماني سابق
4-           د/حسن نافعة - أستاذ جامعي
5-           د/سيف عبد الفتاح - أستاذ جامعي
6-           د/ خالد عبد القادر عودة - أستاذ جامعي
7-           د/ صفوت حجازي - داعية اسلامي
8-           د/منى مكرم عبيد - أستاذة جامعية
9-           العميد / صفوت الزيات - خبير إستراتيجي
10-     أ/ علاء الاسواني - كاتب و أديب
11-     أ/ محمود سعد – إعلامي
12-     أ/ بثينة كامل – إعلامية
13-     أ/صبحي صالح - محامي بالنقض برلماني سابق
14-     أ/ بلال فضل - كاتب صحفي
15-     كابتن / نادر السيد - لاعب كرة
16-     د/ عصام عبد الله اسكندر - أستاذ جامعي
17-     د/ حازم فاروق - طبيب وبرلماني سابق
18-     أحمد نجيب – من شباب ثورة 25يناير
19-          حمزة أبوعيشة – من شباب ثورة 25يناير
سكرتارية الأمانة: محمد عبد ربه – من شباب ثورة 25يناير
إعلام الأمانة: محمد طمان – من شباب ثورة 25 يناير 

وكانت البداية لمجلس أمناء الثورة خلافات حادة بمؤتمره الأول الذي عقد بساقية الصاوي بالقاهرة بسبب رفض بعض الحضور أن يكون أعضاء اللجنة ممثلين عن الثورة أو شبابها أو التحدث بإسمها ، ووقعت مشادات كلامية حاول الدكتور صفوت حجازي احتواءها بالتأكيد على أن اللجنة لا تتحدث باسم أحد وإنما هي للتنسيق ليس أكثر وكل من شارك في الثورة هو عضو بالأمانة ، ومعني ذلك أن المجلس تحول إلى كيان هلامي لا يمكن تحديده لأن من شارك بالثورة عشرين مليون مصري!.
وقد بحثت عن أعمال مجلس إمناء الثورة فلم أجد سوى حدثين إثنين لا ثالث لهما ، الأول بتاريخ 3 يونيو حيث أعلن المجلس عن رفضه لتوجه الدكتور سمير رضوان وزير المالية آنذاك  للإقتراض من جهات أجنبية ومطالبته حكومة الدكتور عصام شرف بوقف هذا التوجه ، وقد إجتهدت في البحث عن البديل الذي قدمه المجلس لتمويل الموازنة العامة للدولة خلاف الإقتراض من الجهات الأجنبية .. فلم أجد ، أما متابعة الموضوع دلتني على أن المجلس العسكري قرر الأخذ برأي المجلس ورفض الإقتراض من الجهات الأجنبية وإستبدالها بقروض داخلية.
أما الحدث الثاني فهو من عدة أيام وتحديداً بتاريخ 8 سبتمبر حين قام وفد المجلس برئاسة الدكتور صفوت حجازي بزيارة ليبيا تلبية لدعوة وجهت له من المجلس الإنتقالي هناك ، أما ما قام به وفد مجلس أمناء الثورة المصرية إثناء زيارته فقد أقتصر على التهنئة بتحرير طرابلس ونجاح الثورة الليبية.

وقد إنتهيت من البحث إلى أن تلك الفكرة العظيمة وهي تكوين مجلس لأمناء الثورة المصرية ليتولى الحديث بإسمها وعنها ، قد ضاعت تماماً لعدة أسباب هي:
أولاً :
التسرع في تشكيل المجلس من شخصيات لا تعبر تعبيراً حقيقياً عن مستقبل الثورة المصرية وإنما تعبر عن لحظتها الآنية وقت تشكيله والعديد منهم أصبح الآن إما مشغولاً بهمه الخاص سواء في إنتخابات الرئاسة أو عرض فكره الشخصي ورؤيته المنفرده أو بعيد عن الصورة تماماً.
ثانياً :
الخلافات التي شابت المؤتمر الأول للمجلس والتي حالت دون وضع آليات محددة لعمل المجلس وحولته إلى كيان غير محدد وغير مؤثر.
ثالثاً :
غياب الكيانات السياسية عن عضوية المجلس وقصرها على العضوية الشخصية الأمر الذي حال دون أن يعرض على المجلس قضايا تهم قطاعات من المجتمع وليس أشخاصاً منه.
رابعاً :
جمود المجلس سواء في التشكيل أو في النشاط.

مجلس إمناء الثورة المصرية .. يمكن أن يصبح بديلاً مجدياً ومؤثراً للخروج إلى الشارع بشرط إعادة تشكيله ووضع آليات عمله وتفعيل نشاطه.
وإعادة تشكيل مجلس أمناء الثورة المصرية ضروري للغاية ليواكب المتغيرات التى شدها المجتمع المصري على كافة المستويات والمستوى السياسي بوجه خاص خلال الفترة من فبراير حين أعلن عن تأسيس المجلس إلى الآن ، ومن أهم تلك المتغيرات تأسس عدد من الأحزاب وظهور تحالفات تضم العديد من تلك الأحزاب منها التحالف الديمقراطي والكتلة المصرية بالإضافة إلى مبادرة الطريق الثالث التي يتبناها حزب العدل ، كما يعد من تلك المتغيرات أيضاً ما شهدته الحركات الثورية من (غربلة) أسفرت عن ظهور عدد محدود من إئتلافات الشباب على غيرها من الإئتلافات العديدة والعديدة جداً التي تأسست في شهر فبراير منها ما يضم أعضاء لا يتعدون عدد أصابع اليدين تساقطت أغلبها الآن.
وفي ذات إطار إعادة التشكيل لابد من أن تقتصر عضوية مجلس أمناء الثورة المصرية على الكيانات السياسية والثورية وإستبعاد العضوية الشخصية تماماً ، وعلى سبيل المثال يمكن أن يتشكل المجلس من التحالفات السياسية الرئيسية المتواجدة على الساحة الآن وهي التحالف الديمقراطي والكتلة المصرية وتحالف الطريق الثالث ويضم إليه إئتلاف شباب الثورة وحركة 6 إبريل والحركة الوطنية للتغيير ، وبذلك يصبح لدينا كياناً قوياً يضم أغلب الأطياف السياسية والثورية المؤثرة بالمجتمع المصري الآن والتي – تقريباً – لا تخرج الدعوة لأي مليونية إلا منها ، وحتى إذا خرجت الدعوة للمليونية من غيرها فإنها لا تنجح إلا بموافقة تلك الكيانات على المشاركة فيها.
وعلى مجلس أمناء الثورة المصرية بعد أعادة تشكيله وضع آلية محدده لعمله وتكون مهمته الأساسية الإتصال المباشر مع المجلس العسكري ومجلس الوزارء لعرض القوانين والمطالبات التي يراها مجلس أمناء الثورة لازمة لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير وإستكمال مسيرتها ، ومن الممكن أن يستمر عمل مجلس أمناء الثورة حتى بعد إنتخاب مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والرئاسية من خلال دور رقابي على تلك المؤسسات لضمان عدم تحولها عن أهداف ثورة 25 يناير إلى أن تستقر أمور البلاد وتترسخ تلك الأهداف داخل المجتمع.
وإستباقاً لما يمكن أن يقال بشأن صعوبة إتفاق مجلس أمناء الثورة بتشكيله المقترح على رأي محدد وأنه سوف يكون معرض للإنقسامات التي تهدد إستمراره ، أقول أن آليات العمل التي سوف يتم وضعها كفيلة بالتغلب على تلك المشاكل مثل إشتراط  نصاب معين لصدور قرارات المجلس وتحديد مواقفه ومن الممكن أن يكون ذلك النصاب موافقة الثلثين أو ثلاثة أرباع الأعضاء لضمان قدر من التوافق ، بل يمكن أيضاً في حالة عدم إمكانية الحصول على ذلك النصاب أن يصدر المجلس إختيارين مختلفين أو حتى متعارضين لترجح السلطات التي تتولى إدارة البلاد أحدهما دون غيرهما.
وبذلك يصبح الخروج إلى الشارع غير مطروحاً إلا في حالة رفض السلطات قرارات مجلس أمناء الثورة أو رفضها ترجيح أحد الخيارات التي يعرضها المجلس ، وسوف تكون المليونية حينئذ منظمة ومؤثرة ، منظمة لأنها برعاية كافة القوى السياسية والثورية تقريباً والتي يتشكل منها مجلس أمناء الثورة ، ومؤثرة لأن لها مطلب وحيد هو الإستجابة لقرارات المجلس.

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

جمعة تصحيح المسار تحتاج إلى تصحيح مسار


تظاهرة تصحيح المسار المقرر لها يوم الجمعة القادم الموافق 9 سبتمبر .. وافقت على المشاركة فيها معظم القوى الثورية والقوى السياسية الليبرالية المنضمة إلى الكتلة المصرية ، فيما رفضتها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والقوى السياسية المنضمة إلى التحالف الديمقراطي كحزب الوفد ، بينما حزب العدل الذي يقود ما يسمى (الطريق الثالث) لم يحسم أمره بعد فلم يعلن قبولاً أو رفضاً.
فما هي حظوظ النجاح لتلك التظاهرة ؟ في ضوء عدة معطيات أهمها:-
1-    إنخفاض التأييد الشعبي للقوى الثورية إلى أدنى مستوى له منذ تنحي مبارك ، وذلك الإنخفاض يرجع إلى عدة أسباب على رأسها بعض التصرفات غير المسئولة التى أتت من بعض القوى الثورية كان آخرها الاعتصام بميدان التحرير بالقاهرة وميدان سعد زغلول بالإسكندرية وميدان الأربعين بالسويس ، ذلك الإعتصام الذي حقق نتائج رائعة خلال اليومين الأول والثاني منه ولو فض بعدهما لكان عملاً عبقرياً .. ولكن إصرار قادته على الاستمرار فيه لقرابة ثلاثة أسابيع عَكَسَ النتائج تماماً ، وزاد الأمر سوءً تسببه في تعطيل عدة مرافق عامة تتمثل في منع السير في شوارع وطرق ميدان التحرير بالقاهرة طوال مدة الإعتصام ، ومنع العمل بمبنى مجمع التحرير لمدة ثلاثة أيام ، وقطع طريق الكورنيش بالإسكندرية لفترات محدودة عدة مرات ، والتهديد بتعطيل عدة مرافق أخرى أهمها الممر الملاحي لقناة السويس وبورصة الأوراق المالية بالقاهرة والإسكندرية ومترو الأنفاق بالقاهرة.
2-    استنفار المؤسسة العسكرية وتحفزها بعد حالة العداء المتبادل مع عدة قوى ثورية على رأسها حركة 6 إبريل والتي تجلت في عدة حوادث أهمها الرشق بالحجارة للمنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية والحادث المؤسف الذي وقع بميدان العباسية بعد إصرار تلك القوى الثورية على الزحف إلى المنطقة المركزية العسكرية للتظاهر أمامها.
3-    حالة التوتر السائدة بعد الرعونة الشديدة وسوء التصرف التي ميزت أعضاء الحركات الأصولية وعلى الأخص الحركة السلفية والجماعة الإسلامية ، والتي تجلت بالتظاهرة التي قاموا بتنظيمها يوم 29 يوليو الماضي بميدان التحرير بالقاهرة.
4-    عدم الإستقرار على أهداف تظاهرة 9 سبتمبر فيما بين القوى الثورية والقوى السياسية ، حيث ترى القوى الثورية ضرورة تبني مطالبات في حدها الأقصى بما فيها مطالبة المجلس العسكري الذي يدير البلاد حالياً بتسليم السلطة إلى مجلس رئاسي مدني ، وهو المطلب الذي ترفضه القوى السياسية بإعتبار أن المجلس الرئاسي المدني يعد بديلاً غير مناسب في الفترة الراهنة خاصة مع وجود تباين شديد في الآراء حول أعضاء ذلك المجلس والصعوبات التي تواجه تحديد الشخصيات التي يمكن أن يتشكل منها.
5-    ظهور تنظيم ما يسمى (أبناء مبارك) مستغلاً إنخفاض التأييد الشعبي للقوى الثورية من ناحية والتخازل الأمني (الفراغ الأمني سابقاً) من ناحية أخرى ، والذي تؤكد كافة المشاهدات على وجود تنسيق قوى بين ذلك التنظيم وبين قيادات المؤسسة الأمنية ودعم مالي غير محدود من أعضاء الحزب الوطني المنحل.

وبعد .. فإنه أيضاً لابد من الأخذ في الإعتبار ضرورة العمل على تهيئة الشارع المصري للإنتخابات البرلمانية المقبلة المقرر فتح باب الترشح إليها نهاية هذا الشهر لإجراءها خلال شهر أكتوبر القادم .. هذا الشارع الذي يبدو بالقطع غير مهيئ لإجراء الإنتخابات وما يسبقها من حملات دعائية لعدة أسباب أهمها الحالة الأمنية ، وفي ضوء كل ذلك أعتقد أن تظاهرة 9 سبتمبر – رغم أهدافها النبيلة – سوف تأتي في جانب تكريس حالة عدم التهيئة التي يعاني منها الشارع المصري بالفعل.

وتظاهرة 9 سبتمبر – مثلها مثل التظاهرات الأخرى – ينظر إليها من حيث النجاح والفشل في ضوء قدرتها على الحشد الجماهيري وبعد ذلك قدرتها على إرغام المؤسسة الحاكمة على الإستجابة لمطالبها ، فإذا نجحت التظاهرة في الحشد الجماهيري فإن ذلك بالتأكيد سوف يستفذ الحركات الأصولية لتنظيم تظاهرة مضادة على غرار ما حدث يوم 29 يوليو الماضي للتأكيد على قدرتها في الحشد الجماهيري ، وبذلك سوف ندخل حلقة مفرغة من التظاهرات والتظاهرات المضادة بما يهدد ليس عدم استكمال مطالب ثورة 25 يناير وحسب .. بل قد يهدد بإنتكاس ما تحقق منها كذلك.
أما إذا فشلت تظاهرة 9 سبتمبر في الحشد الجماهيري .. فسوف يمثل ذلك الفرصة الذهبية للحركات الأصولية – التي أستطاعت النجاح في ذلك يوم 29 يوليو – لكي تبني على ذلك الفشل حملتها الدعائية في الإنتخابات البرلمانية القادمة بعد أن يزيد الإحساس الوهمي الذي إستطاعوا صناعته بأنهم الأقوى والأكثر عدداً والأكثر تنظيماً .. بما ينشر حالة من اليأس لدى كل الطبقات الشعبية التي تؤيد الأحزاب الليبرالية.

فهل تحتاج القوى التي دعت إلى جمعة تصحيح المسار .. إلى تصحيح مسار؟

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

المواطن .. مصري


     أهم المشاكل التي نواجهها الآن ونحتاج إلى حلول جذرية وسريعة لها .. هي مشكلة المواطن المصري ، فقد كشفت الثورة عن سوئة هذا المواطن فظهر – في أغلب الأحوال – غير ملتزمٍ ومنفلتٍ غير مبالٍ بالمصلحة العامة أو مصلحة الوطن ، وظهر ذاتياً لا يفكر إلا في مشاكلة الخاصة ويعمل على حلها حتى ولو كان ذلك الحل فيه مخالفة للقانون أو على حساب الآخرين ، وظهر عنيفاً يأتي استخدام العنف على رأس قائمة البدائل المطروحة في ذهنة للتعامل مع أي حادث يتعرض له عن حق أو عن غير حق .. بل وأحياناً يكون البديل الوحيد.
     عدم الإلتزام – الذاتية – العنف ، سمات سلبية كانت موجودة لدى المواطن المصري وكان يمارسها ولكن الثورة هي التي هيئت له المجال لممارستها بالصورة التي نراها الآن ، ولا يشفع لذلك ما يقال عن أن ما يحدث أمر طبيعي فالشعب عاش فترات طويلة تحت ضغط الكبت والقهر ومن المنطقي أن ينفجر الآن ! ، لأن ذلك الانفجار إن لم نوقفه أو على الأقل نتحكم فيه فسوف يؤدى إلى دمار شامل.
     تلك السمات السلبية لابد أن نتوقف عن ممارستها .. ليس هذا وحسب .. ولكن لابد أن تختفي تلك السمات من التكوين الذهني والنفسي للمواطن المصري تماماً ، وينبغي علينا جميعاً أن نعمل من أجل ذلك وعلى الأخص القيادات الدينية التي كانت تشكوا كثيراً في السابق من التضييق الأمني على تحركاتها الأمر الذي جعل نشاطها محدوداً بحدود الدائرة الملتفة حولها فقط ، على هذه القيادات – وقد أصبح لها مطلق الحرية في التحرك وممارسة نشاطها خارج حدودها السابقة – أن تجتهد من أن أجل إعادة بناء المواطن المصري وفق أسس صحيحة دينياً وأخلاقياً وإجتماعياً ووطنياً ، وأن تبذل في ذلك غاية جهدها بدلاً من ممارسة السياسة التي تسعى إليها الآن بصورة فوق الحماسية.
     إن ممارسة تلك القيادات الدينية للسياسة لن يحقق لمصر النموذج الذي يحلمون به ما لم نحل مشكلة المواطن ذاته ، ولكن إتجاههم لإعادة بناء المواطن المصري على نحو ما ذكر سوف يعد مواطنين يستطيعون ممارسة السياسة بصورة تحقق لهم – بالتأكيد – ذلك النموذج.